شيخ الصوفية أبراهيم أبن أدهم


شيخ الصوفية أبراهيم أبن أدهم

شيخ الصوفية أبراهيم أبن أدهم

بقلم / حكمت عبد الرزاق النعيمي
نشأة التصوف :
إن الإسلام بكماله دين يؤدي بالبشرية إلى الرفعة في كل ما يبتغيه الإنسان والمجتمعات الأنسانيه, وقد عالج الإسلام كل قضايا الإنسان علاجا نافعا ومثمرا ودقيقا , صغيرها وكبيرها , ظاهرها وباطنها , ما أتضح منها وماخفي , والمجتمعات الإنسانية أن تلبست بالإسلام كلا حملها نحو ما يبتغيه من الكمال. وأن الله سبحانه وتعالى أتم نعمته على نبيه (صلى الله عليه وسلم ) .وأكمل دينه حيث قال (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )
وهذا وصف من أوصاف الكمال الذي امتازت به ألأمه المحمدية ببركة نبيها (صلى الله عليه وسلم )منبع الكمال, ومن هذا المعين الفياض اغترف الصحابة الكرام علومهم الشريفة , ولم تصنف العلوم في عصرهم بعد .
وأن الله سبحانه وتعالى هيأ للصحابة الكرام رضي الله عنهم أسبابا جعلتهم أهلا لحمل هذا الدين العظيم, ومنها:
صفاء القلوب, وطهارة النفس, ولم يكن ذلك لولا صحبتهم لحضرة المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ) فقيل لهم الصحابة, ولما أدركهم أهل العصر الثاني ممن صحب أصحاب الرسول (صلى الله عليه وسلم ) تسموا بالتابعين, ورأوا ذلك أشرف سمه, ثم قيل لمن بعدهم أتباع التابعين, فلما فشا الإقبال على الدنيا, وتباين الناس واختلفوا, فقيل لمن كان له عناية بأمر الدين العابد والزاهد, ثم ظهرت البدع, فادعت كل فرقة أن فبها عبادا وزهادا, فأنفرد خواص أهل ألسنه المراعون أنفاسهم مع الله تعالى الحافظون قلوبهم عن طوارق الغفلة بأسم ( التصوف ), وأشتهر هذا الاسم لهؤلاء الأكابر قبل المائتين للهجرة, ومن هؤلاء الأكابر الصوفي الجليل أبراهيم أبن أدهم 0
لقد بدأ أبراهيم أبن أدهم حياته في ترف من العيش . وفي نعيم من الدنيا, فقد كان والده من المياسير, بل من بيت الملك 0
ونشأ أبراهيم لذلك محاطا بكل أنواع الرعاية, وأنغمس في كل ما تتيحه بيئته المترفه 000 لقد عب منها ونهل, ولندع أبراهيم أبن أدهم يقص علينا حكايته فيقول: ( كان أبي من أهل بلخ, وكان من ملوك خراسان, وكان من المياسير, وحبب إلينا الصيد فخرجت راكبا فرسي, وكلبي معي... فبينما أنا كذلك ثار أرنب أو ثعلب , فحركت فرسي ... فسمعت نداء من ورائي ليس لهذا خلقت , ولا بذا أمرت ...
فوقفت أنظر يمنه ويسرة, فلم أر أحدا... فقلت: لعن الله إبليس, ثم حركت فرسي, فأسمع نداء من قربوس سرجي: يا أبراهيم ما لذا خلقت, ولا بذا أمرت...
فوقفت فقلت: انتبهت, انتبهت... جاءني نذير من رب العالمين, والله لا عصيت الله بعد يومي ذا ما عصمني ربي...
فرجعت إلى أهلي, فخليت عن فرسي, ثم جئت إلى راعي لأبي فأخذت منه جبه وكساء, وألقيت ثيابي إليه, ثم أقبلت إلى العراق.. أرض ترفعني, وأرض تضعني, حتى وصلت إلى العراق,
فعملت بها أياما فلم يصف لي منها شيء من الحلال فسالت بعض المشايخ عن الحلال, فقالوا لي:
إذا أردت الحلال فعليك ببلاد الشام..
فصرت إلى بلاد الشام, فصرت إلى مدينه يقال لها المنصورة – هي المصيصة – فعملت بها أياما, فلم يصف لي شيء من الحلال..
فسالت بعض المشايخ, فقالوا لي أن أردت الحلال الصافي فعليك بطرطوس, فأن فيها المباحات والعمل الكثير.فتوجهت إلى طرطوس, فعملت بها أياما, أنظر البساتين, وأحصد الحصاد.. فبينما أنا قاعد على باب البحر - إذ جأني رجل , فألح علي أن أنظر بستانه , فكنت في بساتين كثيرة – فإذا أنا بصاحب البستان قد أقبل ومعه أصحابه , فقعد في محله , ثم صاح : يا ناظور ...
فقلت هو ذا أنا ..
قال: أذهب فأتنا باكبر رمان تقدر عليه وأطيبه... فذهبت وأتيته بأكبر رمان ... فأخذ رمانه فكسرها, فوجدها حامضة..
فقال: ياناظور : أنت في بستاننا منذ كذا وكذا , تأكل فاكهتنا , وتأكل رماننا , لاتعرف الحلو من الحامض ؟
قال أبراهيم: قلت: والله, ما أكلت من فاكهتكم شيئا, وما أعرف الحلو من الحامض.
فأشار إلى أصحابه, فقال: أما تسمعون كلام هذا ؟ ثم قال: أنراك لو أنك أبراهيم بن أدهم ما زاد على هذا
فانصرف, فلما كان من الغد ذكر صفتي في المسجد, فعرفني بعض الناس, فجاء ومعه عنق من الناس.. فلما رأيته قد أقبل مع أصحابه اختفيت خلف الشجر, والناس داخلون..
فاختلطت معهم وهم داخلون, وأنا هارب..
فهذا كل أوائل أمري, وخروجي من طرطوس إلى بلاد الرمال.
ترك أبراهيم بن أدهم حياة الترف والنعيم وألاهواء, وطلب بحبوحة الجنة – ولكنه لم يسافر في مكان... وإنما كان دائم التنقل, وربما سافر من بلد إلى أخر, ثم عاد من جديد إلى البلد الذي تركه..
وربما دخل بلدا فلم يهنأ بالعيش فيه, ثم عاد إليه فنعم فيه بالحلال, كما حصل له بالنسبة إلى بلاد الشام.
ويصور لنا تنقلاته المستمرة, ما رواه شفيق البلخي - وهو أحد الصوفية - قال: لقيت أبراهيم أبن أدهم في بلاد الشام, فقلت: يا أبراهيم, تركت خراسان ؟
فقال: ما تهنيت بالعيش , لا في بلاد الشام, أفر بديني من شاهق إلى شاهق, ومن جبل إلى جبل... فمن يراني يقول موسوس , ومن يراني يقول : هو حمال ... ثم قال لي: يا شفيق ! لم ينبل عدنا من نبل إلا بتحري الحلال, وألا يدخل جوفه شيء الأمن حله...
ثم قال: يا شفيق... إذا أنعم الله على الفقراء لا يسألهم يوم ألقيامه لا عن زكاة, ولا عن حج, ولا عن جهاد, ولا عن صلة رحم..
أنما يسأل هؤلاء المساكين – يعني الأغنياء...
وتحري أبراهيم بن أدهم للحلال, يذكرنا بقصة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه, مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روى عن أبن عباس قال: تليت هذه الآية عند النبي صلى الله عليه وسلم
( يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ) فقام سعد فقال :يا رسول الله !..
أدع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة , فقال: ياسعد ! أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة .. والذي نفس محمد بيده أن الرجل ليقذف اللقمة الحرام في جوفه, , ما يتقبل منه أربعين يوما ..
وايما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به..
ولقد كان أبراهيم أبن أدهم من أشد الناس تحريا للحلال..
ومن أجل الحلال, ومن أجل الورع سيطر أبراهيم بن أدهم على نفسه فأصبحت لا تشتهي إلا ما يكون في دائرة الحلال الميسور, لقد قيل له: أن اللحم قد غلا, فقال: أرخصوه..
لقد غالب أبراهيم أهواءه حتى تغلب عليها, مستعينا بالله, مستكفيا إياه...
يقول أبراهيم بن بشار – وهو تلميذ أبراهيم بن أدهم - : سمعت أبراهيم بن أدهم يقول : ( وأما أهوائي فقد – والله – استعنت بالله عليها فأعانني , وأستكفيته سوء مغالبتها فكفاني , فوالله ما أسى على ما اقبل من الدنيا ولا ما أدبر منها ) ولكن سيطرته على نفسه لم تكن من السهولة بمكان, وهذا طبيعي فأنه لا يتغلب على نفسه فيسلس له قيادتها, إلا من هدى الله وعصم..؟
ويقول أبراهيم بن بشار أيضاً.. سمعت أبراهيم بن أدهم يقول ( أشد الجهاد جهاد الهوى, من منع نفسه هواها فقد استراح من الدنيا وبلائها, وكان محفوظا ومعافى من أذاها..؟

أخذ أبراهيم بن أدهم يضرب في الأرض, حارسا للبساتين, أو حاصدا للزرع.. وهو في كل ذلك لا يغتر عن ذكر الله ... يقول علي بن بكار: كان الحصاد أحب إلى أبراهيم من اللقاط, وكان سليمان الخواص لا يرى باللقاط بأسا ويلقط, وكانت أسنانهما قريبة, وكان أبراهيم أفقه, وكان من العرب, من بني عجل, كريم الحسب, وكان إذا عمل ارتجز, وقال:
أتخذ الله صاحبا ودع الناس جانبا

وكان يلبس في الشتاء فروا ليس تحته قميص, ولم يكن يلبس خفين ولا عمامة..
وفي الصيف شقتين بأربعة دراهم, يتزر بواحدة ويرتدي الأخرى و يصوم في السفر والحضر, ولا ينام الليل..وكان يتفكر, فإذا فرغ من الحصاد أرسل بعض أصحابه, فحاسب صاحب الزرع, ويجيء بالدراهم لا يمسها بيده, فيقول لأصحابه أذهبوا بها كلوا شهواتكم, فأن لم يكن حصاد أجر نفسه في حفظ البساتين والمزارع, وكان يجلس فيطحن بيد , واحده مدى قمح.. قال أبراهيم: يعني قفيزين..
لقد كان شيخنا – رضوان الله عليه – كثير السياحة.. لقد كان ينتقل من مكان إلى مكان.. كان ينتقل من أجل طلب الرزق الحلال, وكان ينتقل من أجل طلب العلم, وكان ينتقل متعبدا, وكان ينتقل ابتعادا عن الشهرة, أي أنتقل من مكان أشتهر فيه إلى مكان أخر لا يعرف فيه..
والسياحة كانت دائما من منهج الصوفية.. وكلمة السياحة إذا كانت قد مسخت الآن, وأصبحت لا تكاد تدل إلا على العبث والاستهتار, فأنها في الجو الإسلامي لها معناها الشريف الصادق..وأن الله سبحانه وتعالى يصف بها المؤمنين الصادقين فيما وصفهم به من كريم الصفات, فيقول ( التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر, والحافظون لحدود الله, وبشر المؤمنين )
ويصف بها المؤمنات الصادقات اللائي يمثلن المثل الأعلى لزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول سبحانه.. ( عسى ربه أن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن , مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا ..)
وكانت كلمة السياحة – أيضاً – تعني السفر تعبدا, وأن السفر لمن أهم الوسائل التي تدعو إلى التأمل والعظة والتفكر, والى الخلوة مع الله في بيئة لاتعرف الإنسان ولا تشغله عن عبادته.
وكان الصوفية يكثرون من هذا النوع من السياحة, وكانوا يقومون بها على الشاطئ والأنهار, أو في الصحراء على مشارف العمران, وكانوا يقصون الأقاصيص المختلفة التي رأوها أو حدثت لهم أثناء سفرهم, والتي يكون فيها العظة والعبرة للآخرين...!
بيد أن أسفار أبراهيم بن أدهم لم تكن من أجل هذه الأهداف التي ذكرناها فحسب, وإنما كانت أيظا من أجل الجهاد في سبيل الله, والاستغراق في العبادة - يقول مخلد بن الحسين – وهو صوفي –
(ما انتبهت من الليل إلا أصبت أبراهيم بن أدهم يذكر الله, فأغتنم, ثم أتعزى بهذه الآية: ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ) بيد أن الطابع الذي كان يسود عبادته أنما هو التفكر.. وفي هذا الأثناء كان يساير الآيات القرآنية, والأحاديث النبوية.
قال تعالى: ( أن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب.. الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك..)

وكان أبراهيم بن أدهم يتصف أيظا بالسخاء والصدقة, ويقول الأوزاعي: ( ليس في هؤلاء القوم – أي الفقراء - أفضل من أبراهيم بن أدهم فأنه أسخى القوم..)
ورغم أن أبراهيم بن أدهم كان يأكل من عمل يده, فأن أجره كان فيه البركة, وكان العسل والسمن دائما على مائدته, وكانت فائدته مبذولة لكل وارد من أصحابه,
يقول القاضي بشر بن المنذر: ( كنت أرى أبراهيم بن ادهم كأنه أعرابي, لا يشبع من الخبز والماء, يابسا, أنما هو جلد على عظم, لا تراه مجالسا أحدا, ولا تحدثه حتى يأتي منزله, فإذا أتى منزله وجلس إليه إخوانه ضاحكهم وباسطهم.. وقال لي بعض أصحابه: ما كان العسل والسمن على مائدته إلا شبيها بالحمص المطحون – يعني الباقلاء – يريد أنه كان كثيرا مبذولا كأنه الحمص.
ويأسف أبراهيم بن أدهم على ذهاب السخاء من الأنفس, ويقول أبراهيم بن بشار: (سمعت أبراهيم بن أدهم يقول: ذهب السخاء والكرم, الجود والمواساة من لم يواس الناس بماله وطعامه وشرابه, فليواسيهم ببسط الوجه والخلق الحسن..
إياكم أن تكون أموالكم سببا في أن تتكبروا على فقرائكم, أو سببا في أن لا تميلوا إلى ضعفائكم, وألا تنبسطوا إلى مساكينكم..)

تمسكه بالدعاء
الدعاء مخ العبادة وذلك لأنه مظهر الافتقار والعبودية إلى الله سبحانه وتعالى.ويقول سبحانه ( يا أيها الناس انتم الفقراء إلى الله, والله هو الغني الحميد ) وفقرنا إلى الله سبحانه وتعالى ومعرفتنا أنه رحيم رؤوف ودود, من فوائده أنه يوجهنا إليه سبحانه بالدعاء ليصرف الأذى, وليرفع المقت, وليشفي من المرضى, وليكشف العذاب.
ولقد وجهنا الله صراحة وفي غير مواطن من القران الكريم إلى أن نلجأ إليه بالدعاء, أنه تعالى يأمرنا بذلك أمرا.. يقول تعالى ( وقال ربكم أدعوني أستجب لكم , أن الذين يستكبرون عن عبادتي , سيدخلون جهنم داخرين ) .. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم, يلجأ إلى الله في كل أونه بالدعاء,
ومجموعة أدعية الرسول صلى الله عليه وسلم تمثل الأسلوب الجميل والعبودية السامية, والتوحيد الخالص وأتباعا لهدي القران, وتأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم, وإظهارا للعبودية الخالصة لله سبحانه, والتجأ إلى الله لكشف السوء صغيرا كان أو كبيرا..
التجأ الصالحون دائما إلى الله بالدعاء وعلى هذا النسق سار شيخ الصوفية أبراهيم بن أدهم
لقد كان لإبراهيم بن أدهم – حسبما يروي أبن بشار – يقول هذا الكلام في كل جمعة لذا أصبح عشر مرات, وإذا أمسى يقول مثل ذلك..(مرحبا بيوم المزيد , والصبح الجديد , والكاتب الشهيد , يومنا هذا يوم عيد , أكتب لنا فيه ما نقول : (بأ سم الله الحميد المجيد , الرفيع الودود , الفعال لما يريد في خلقه , أصبحت بالله مؤمنا , وبلقاء الله مصدقا , وبحجته معترفا , ومن ذنبي مستغفرا , ولربو بيته الله خاضعا , ولسوى الله جاحدا , والى الله تعالى فقيرا ,وعلى الله متوكلا , والى الله منيبا – أشهد الله , واشهد ملائكته, وأنبيائه , ورسله , وحملة عرشه, ومن خلق , ومن هو خالق , بأن الله لا اله ألا هو وحده لاشريك له , وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وأن الجنة حق, والنار حق, والحوض حق, والشفاعة حق, ومنكرا ونكيرا حق, ولقاءك حق ووعدك حق, والساعة آتية لاريب فيها, وأن الله يبعث من في القبور, على ذلك أحيا, وعليه أموت, وعليه أبعث أن شاء الله... اللهم أنت ربي لا رب لي إلا أنت, خلقتني وأنا عبدك, وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت.. أعوذ بك اللهم من شر كل ذي شر, اللهم أني ظلمت نفسي فأغفر لي ذنوبي, أنه لا يغفر الذنوب إلا أنت, وأهدني لأحسن الأخلاق, فأنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت, وأصرف عن شيئها فأنه لا يصرف سيئها إلا أنت..لبيك وسعديك , والخير كله بيديك وأنا لك .. أستغفرك وأتوب إليك - أمنت اللهم بما أرسلت من رسول, وأمنت اللهم بما أنزلت من كتاب – صلى الله على محمد وعلى اله وسلم كثيرا خاتم كلامي ومفتاحه.. وعلى أنبيائه ورسله أجمعين.. أمين يارب العالمين..)
فكان أبراهيم بن أدهم معروف بالدعاء ومشهور وأدعيته كثيرة, في كل المناسبات, وقد سئل عن السبب في أن بعض الناس يدعو فلا يستجاب له – ويروي شفيق البلخي في ذلك أن أبراهيم بن أدهم مر يوما في أسواق البصرة, فأجتمع الناس إليه, فقالوا: ( يا أبا أسحق: أن الله تعالى يقول في كتابه: (أدعوني أستجب لكم ) ونحن ندعوه منذ دهر, فلا يستجاب لنا ؟ فقال أبراهيم :يا أهل البصرة , ماتت قلوبكم في عشرة أشياء :
أولها: عرفتم الله ولم تؤدوا حقه..
الثاني: قرأتم كتاب الله, ولم تعملوا به..
الثالث: أدعيتم حب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وتركتم سنته..
الرابع: أدعيتم عداوة الشيطان ووافقتموه..
الخامس: قلتم نحب الجنة ولم تعملوا لها..
السادس : قلتم نخاف النار , ورهنتم أنفسكم بها ..
السابع: قلتم أن الموت حق ولم تستعدوا له..
الثامن: أشتغلتم بعيوب إخوانكم ونبذتم عيوبكم..
التاسع: أكلتم نعمة ربكم, ولم تشكروها..
العاشر: دفنتم موتاكم, ولم تعتبروا بهم..

وقد كانت لإبراهيم بن أدهم مفاجأة, وقلنا انه كان كثير الأسفار وكان متجردا للجهاد في سبيل الله, ولقد جاهد في البر والبحر وشارك كثيرا في الغزوات , فأحب أن يشرف على الجنة من تحت ظلال السيوف كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (الجنة تحت ظلال السيوف ) فأحب أن يتاجر مع الله ..

الأخلاق عند أبراهيم بن أدهم
لقد أخذ أبراهيم بن أدهم يبشر بالأخلاق كما رسمها الله سبحانه في محكم كتابه, وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان من ثمرة ذلك مجموعة من النصائح والمواعظ والحكم من أنفس ما يكون, وكانت هذه الأخلاق تتسم بطابع النضرة, وبطابع الروحانية. ومن أقواله الجليلة ( أشغلوا قلوبكم بالخوف من الله, وأبدانكم بالدأب في طاعة الله, ووجوهكم بالحياء من الله تعالى, والسنتكم بذكر الله, وغظوا أبصاركم عن محارم الله تعالى, فأن الله أوحى إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم
يا محمد كل ساعة تذكرني فيها, فهي لك مذخورة, والساعة التي لا تذكرني فيها فليس لك, هي عليك لا لك )
وأول طريق في عرف أبراهيم بن أدهم, وفي عرف الصوفية على وجه العموم, أنما هو التوبة, يقول أبراهيم: (أنك إذا أدمت النظر في مرآة التوبة, بأن لك شين قبح المعصية ) .
ومن أقواله الجميلة ( علامة نور القلب, أن يكون أكثرهم صاحبه العبادة, وأكثر كلام العبد الثناء على الله, وحكايات الصالحين ) ويقول: ( تب إلى الله ينبت الورع في قلبك )
وسئل بما يتم الورع قال: ( بتسوية كل الخلق من قلبك, واشتغالك عن عيوبهم بذنبك, وعليك باللفظ الجميل من قلب ذليل لرب جليل.. فكر في ذنبك, وتب إلى ربك, يثبت الورع في قلبك, وأحسم الطمع إلا من ربك..) وإذا صدق الورع أسلم إلى الزهد.. ويقول أبراهيم بن أدهم بهذا الخصوص: الزهد ثلاثة أصناف فزهد فرض, وزهد فضل, وزهد سلامة
فالفرض: الزهد في الحرام, والفضل:الزهد في الحلال, والسلامة: الزهد في الشبهات.
وكان يحث على المحبة في الله عز وجل, ويقول في ذلك ( لو أن العباد علموا حب الله عز وجل, لقل مطعمهم ومشربهم, وملبسهم, وحرصهم وذلك أن ملائكة الله أحبوا الله فأشتغلوا بعبادته عن غيره, حتى أن منهم قائما وراكعا وساجدا, منذ خلق الله الدنيا ما التفت إلى من عن يمينه وشماله, اشتغالا بالله تعالى وبخدمته..)
وقد عاش أبراهيم بن أدهم سعيدا في حياته لصلته بالله القوية , ولقد دخل أبراهيم بن أدهم المعركة مع الشيطان ومع نفسه وهواه مصمما على الأنتصار بتوفيق الله ,ولجأ إلى الله في أستماته , وفي ذلة وعبودية وانكسار , سهر الليالي متعبدا ضارعا , وصام الأيام والشهور راجيا , وأحب العبادة وأنسه بربه واستقامت له العبودية , فأعلن عن ثمرة ذلك قائلا في شكر الله وحمد له نحن في نعيم لو علمه الملوك لجالدونا عليه بسيوفهم ,
أمتدت حياته الى سنة 162 ( مائة وأثنين وستون ) وكان أخر عمل له أنه شارك في غزو ضد الروم , فمات أثناء الغزو ودفن في صور وقبره بها مشهور , رضي الله عنه ورحمه رحمة واسعة ...

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ترجمة تاج العارفين سيدي ابن عطاء الله السكندري رضي الله عنه

الحسن البصرى

كرز بن وبرة