بشر الحافي

بشر الحافي (تـ227هـ) ٢٠١٥٠٢٢٣١٦٣٢٠٦ اسمه ومولده: أبو نصر بشر بن الحارث الحافي. سُمِّيَ الحافي لأنه طلب من إسكاف شِسْعًا لإحدى نعليه ، وكانت قد انقطعت، فقال له: ما أكثر كلفتَكم على الناس! فألقاها من يده، والأخرى من رجله، وحلف لا يلبس نعلاً بعدها. أصله من مرو، وسكن بغداد،وولد سنة 150هـ - 767م.وهو ابن أخت علي بن خَشْرَمٍ، ، وكان كبير الشأن. صحب الفضيلَ بن عياض، ورأى سريًّا السقطيَّ وغيرَه. توبته وما حصل له في زمانه: وكان سبب توبته أنه رأى في الطريق ورقة مكتوبًا فيها اسم الله عز وجل قد وَطِئَتْهَا الأقدام، فأخذها واشترى بدرهم كان معه غاليةً (أي:نوع من الطيب) ، فطَيَّب بها الورقة، وجعلها في شق حائط ، فرأى فيما يرى النائم كأن قائلاً يقول له: يا بشر، طيبت اسمي، لأطيبن اسمك في الدنيا والآخرة. فلهذا اشتهر ذكره وصار معظمًا فيهما ، وكذا كل مَن أَجَلَّ اللهَ وعظَّمه أجله اللهُ وعظمه . واستشفع المأمون بأحمد بن حنبل في أن يأذن الحافي للمأمون في زيارته فأبى الحافي. قال القشيري: سمعت الأستاذ أبا علي الدَّقَّاقَ -رحمه الله- يقول: مَرَّ بِشْرٌ ببعض الناس، فقالوا: هذا الرجل لا ينام الليل كله ، ولا يفطر إلا في كل ثلاثة أياممرة. فبكى بشر(أي: بكاء فرح وسرور شكرًا لربِّه في كونِه ستَرَ أمرَهُ وأظهرجميلَه، ورجا أن يفعل به ذلك في آخرتِه)، فقيل له في ذلك فقال: إني لا أذكر أني سهرت ليلة كاملة، ولا أني صمت يومًا لم أفطر من ليلته ، ولكن الله سبحانه وتعالى يُلْقِي في القلوب أكثر مما يفعله العبد لطفًا منه سبحانه وكرمًا. من كلامه وأقواله: «من أراد أن يُلَقَّنَ الحكمة فلا يَعْصي الله». «إذا أعجبك الكلام فاصمت أو السكوت فتكلم». «من سأل الله الدنيا فإنما يسأله طولك الوقوف بين يديه». «هَبْ أَنَّكَ ما تخاف، أما تشتاق؟». وقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلمفي المنام، فقال لي: يا بشر، أتدري لِمَ رفعك الله من بين أقرانك؟ قلت: لا، يا رسول الله. قال: باتباعك لسنتي، وخدمتك للصالحين، ونصيحتك لإخوانك، ومحبتك لأصحابي وأهل بيتي، وهو الذي بَلَّغك منازل الأبرار. قال القشيري: سمعت الأستاذ أبا علي الدَّقَّاق -رحمه الله تعالى- يقول: أتى بشر الحافي باب المُعافى بنعمران، فدَقَّ الحافي عليه الباب، فقيل: من؟ فقال: بشر الحافي. فقالت له بُنَيْةٌ من داخل الدار: لو اشتريت لك نعلاً بِدَانِقَيْنِ (أي:سدسا درهم) لذهب عنك اسم الحافي. أخبرني بهذه الحكاية محمد بن عبد الله الشيرازي قال: حدثنا عبد العزيز بن الفضل قال: حدثني محمد بن سعيد قال: حدثني محمد بن عبد الله قال: سمعت عبد الله المغازلي يقول: سمعت بشرًا الحافي يذكر هذه الحكاية. وفيها تنبيه على أن العبد إذا قدرَ على سترِ حاله وترك شهرته كان ذلك أولى به؛ لأن بشرًا اتخذها عبرة ولذلك نقلها الناس عنه. وسمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت أبا الحسين الحَجَّاجِيَّ يقول: سمعت المَحَامِلِيَّ يقول: سمعت الحسن المُسُوحِيَّ يقول: سمعت بشر بن الحارث يحكي هذه الحكاية.وفيها دليل على أن بشرًا وجد في نفسه منها وجدًا كثيرًا حتى كثُر ذكره لها فنُقِلَت عنه من طرق، وذلك أن الله نبَّهَه على مطلوبيةِ ستر حاله على لسان الصغيرة.أهـ قال ابن الجَلاءِ: رأيت ذا النون وكانت له العِبَارَةُ(أي: النطق بالحكمة، وكانت له؛ أي: اشتهر بها)، ورأيت سهلاً وكانت له الإشارة ، ورأيت بشر بن الحارث وكان له الورع . فقيل له: فإلى مَن كنت تميل؟ فقال: لبشر بن الحارث أستاذنا.وهذا فيه تنبيهٌ على أن الاقتداء بالأحوال أبلغُ منه بالأقوال والإشارات. وقيل: إنه اشتهى البَاقِلاء (أي:الفول) سنين، فلم يأكله، فُرُئِيَ في المنام بعد وفاته فقيل له: ما فعل اللهبك؟ فقال: غفر لي، وقال: كُلْ يا من لم يأكل، واشرب يا من لم يشرب. وقيل لبشر: بأي شيء تأكل الخبز؟ فقال: أذكر العافية وأجعلها إدامًا. وقال بشر: لا يحتمل الحَلالُ السَّرَفَ.لعزة الحلال وقِلَّتِهِ. ورُئِيَ بشر في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي، وأباح لي نصف الجنة.وقال لي: يا بشر، لو سجدت لي على الجمر ما أَدَّيتَ شكر ما جعلته لك في قلوب عبادي. وقال بشر: لا يجد حلاوة الآخرة رجل يحب أن يعرفه الناس دينًا وكمالاً في علمِه وعملِه ؛ لما فيه من الرياء، بخلاف مَن أشهرَه اللهُ بغير اختيارِه أو باختيارِه لأمرٍ دينيٍّ كما قال الله تعالى : ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾ [مريم: 96] ؛ أي: محبةً في القلوب ، ويكون إشهارُه تعالى لهم بين الناس ليقتدوا بهم ، فتكمل أجورُهم، كما أثنى تعالى على مَن سأل ذلك منه في قوله تعالى : ﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ [الفرقان: 74]؛ أي: أئمةً يُقتدى بهم، فهذه شهرةٌ محمودةٌ وإن كانت باختيارِ العبد؛ لما قلناه. وكان سفيان يقول: رضا الناسِ غايةٌ لم تُدْرَكْ، فإن أرضيتهم أسخطتَ ربَّك، وإن أسخطتَهم فتهيأ للسهام. قال بشر: فالتهيؤ للسهام أحبُّ إليَّ من أن يذهبَ ديني. وفاته: مات سنة سبع وعشرين ومائتين (227) عشيةَ الأربعاء لعشرٍ بقينَ من ربيعٍ، وقيل: لعشر خلون من المحرَّم ببغداد ودفن فيها، فرضي الله عنه ونفعنا به آمين.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ترجمة تاج العارفين سيدي ابن عطاء الله السكندري رضي الله عنه

كرز بن وبرة

الحسن البصرى